الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه , والصلاة والسلام على أشرف خلقه محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه وسلم
وبعد , فإن الله ما خلق الجن والإنس إلا لعبادته , وأنزل الكتب وأرسل الرسل لئلا يكون لهؤلاء حجة على الله بعدهم , وجعل من كلا الجنسين طائعين كما جعل منهما العصاة و الشياطين , وبين لهم سبيل المتقين ونهاهم عن سبيل المجرمين , وجعل كل جنس منهما يتفرد بخصائص عن الآخر.
ومما اختص به الجن عن الإنس أنهم يرونهم , بخلافهم فإنهم لا يرون الجن -على صورتهم الأصلية- ولذلك بين الله لنا ورسوله من أخبارهم ما نحتاجه في ظل تعايشنا معا في أرض واحدة , وحذرنا مما يحذر منهم , بل وأمرنا باتخاذ عدو منهم وهم شياطينهم , وبين لنا مسالكهم في الغواية وحذرنا اتباع خطواتهم , وبين لنا ما يكون من أمر تسلطهم على الإنسان بالوساوس لإضلاله , وهو أكثر تسلطهم وأكثر ما تكلم الوحي عنه واسهب في بيانه , ولكن الكثيرين ظنوه الأوحد لكثرته وأغفلوا أو أنكروا ما يمكن أن يقع منهم من تسلط حسي مادي على الإنس لقلته , ومن البديهي أن يكون البيان في شأنهم أوفى في الجانب الأول لكونه أكثر ما يتسلطون به , ولكن لا ينبغي أن يغفلنا ذلك عن الجانب الثاني فضلا عن إنكاره أصلا.
فالجن كما تتسلط على الإنس بالوسوسة فإنها تتسلط عليهم بالأذى الحسي كما سيأتي , وهذا الأذى متفاوت ليس على درجة واحدة قد يكون محصورا في بعض المضايقات والتخويف ولكنه قد يصل إلى حد القتل أعاذنا الله وإياكم , ولكن لا ينبغي أن يبعث ذلك في قلب الناس فضلا عن الموحدين المخلصين المتبعين الخوف والرهبة بحال , لأن الله علمهم ما يقيهم كل تلك الشرور بأنواعها , كما أن جل ذلك لا يقع إلا بسبب إيذاء الإنس لهم بأي صورة من صور الإيذاء ويندر أن يكون ابتداءا منهم بلا سبب.
وهذه بعض الأدلة التي حاولت جمعها والتي تبين ورود تسلط الجني على الغنسي بالأذى الحسي كما يتسلط عنه بالوساوس والأذى المعنوي علما أني لن أتعرض بالذكر للمس وأدلته لأنه أمر مفروغ منه عند أهل الإسلام ولم ينكره إلا طوائف من أهل البدع كالروافض والمعتزلة :
محاولة الجن إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم في مرات عدة :
روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي الدرداء قال : " قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعناه يقول: أعوذ بالله منك، ثم قال: ألعنك بلعنة الله ثلاثاً، وبسط يده كأنه يتناول شيئاً. فلما فرغ من الصلاة قلنا: يا رسول الله قد سمعناك تقول في الصلاة شيئاً لم نسمعك تقوله قبل ذلك ورأيناك بسطت يدك، قال: إنّ عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي فقلت: أعوذ بالله منك ثلاث مرات، ثم قلت: ألعنك بلعنة الله التامة، فلم يستأخر ثلاث مرات ثم أردت أخذه، والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقاً يلعب به ولدان أهل المدينة"
وروى الإمام مالك في الموطا عن يحيى بن سعيد أنه قال : " أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى عفريتا من الجن يطلبه بشعلة من نار كلما التفت رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه ، فقال جبريل أفلا أعلمك كلمات تقولهن إذا قلتهن طفيت شعلته ، وخر لفيه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بلى ، قال جبريل : فقل : أعوذ بوجه الله الكريم ، وبكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر ، من شر ما ينزل من السماء ، وشر ما يعرج فيها ، ومن شر ما ذرأ في الأرض ، وشر ما يخرج منها ، ومن فتن الليل والنهار ، ومن طوارق الليل إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن"
وروى أحمد بسند صحيح عن أبي التياح قال : " سأل رجل عبد الرحمن بن خنبش كيف صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كادته الشياطين قال جاءت الشياطين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأودية وتحدرت عليه من الجبال وفيهم شيطان معه شعلة من نار يريد أن يحرق بها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فرعب قال جعفر احسبه قال جعل يتأخر قال وجاء جبريل عليه السلام فقال يا محمد قل قال ما أقول قال قل أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق وذرأ وبرأ ومن شر ما ينزل من السماء ومن شر ما يعرج فيها ومن شر ما ذرأ في الأرض ومن شر ما يخرج منها ومن شر فتن الليل والنهار ومن شر كل طارق إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن فطفئت نار الشياطين وهزمهم الله عز وجل"
فالأحاديث واضحة وصريحة أن الجن أرادوا في كل مرة إيذاء النبي صلوات الله وسلامه عليه بالنار وحرقه , وهذا النوع من الأذى هو أذى حسي ملموس , وليس من قبيل التسلط بالوسوسة والظنون ونحوها.
قتل الجن للصحابي الذي قتل الجني المتشكل في حية :
روى مسلم في صحيحه عن أبي السائب مولى هشام ابن زهرة أنه قال : دخلت على أبي سعيد الخدري فوجدته يصلي فجلست أنتظره حتى قضى صلاته فسمعت تحريكاً تحت سرير في بيته فإذا حية فقمت لأقتلها فأشار أبو سعيد أن اجلس فلما انصرف أشار الى بيت في الدار فقال أترى هذا البيت؟ فقلت نعم قال: إنه كان فيه فتى حديث عهد بعرس فخرج مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الى الخندق فبينما هو به إذ أتاه الفتى يستأذنه فقال يارسول الله ائذن لي أحدث بأهلي عهد اًفأذن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-وقال:"خذ عليك سلاحك فإني أخشى عليك بني قريظة" فانطلق الفتى الى أهله فوجد امرأته قائمة بين البابين فأهوى اليها بالرمح ليطعنها وأدركته غيره فقالت:لاتعجل حتى تدخل وتنظر مافي بيتك فدخل فإذا هو بحية منطوية على الفراش فركز فيها رمحه ثم فرح بها فنصبه في الدار. فاضطربت الحية في رأس الرمح وخر الفتى ميتاً فمايدرى أيهما كان أسرع موتاً الفتى أم الحية؟ فذكر ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال :"إن بالمدينة جناً قد أسلموا فإذا رأيتم شيئاً فآذنوه(أي أعلموه) ثلاثة أيام فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان"
فلو لم يكن يوجد إلا هذا الحديث لإثبات أن الجن تستطيع أن تؤذي الناس أذى حسيا وبدنيا لكفى به حجة , فهو من أصح مايكون سندا ودلالته صريحة واضحة كوضوح الشمس لا تحتمل تاويلا أو حملا للكلام على غير محمله , فقد قتل الجن هذا الصحابي لأنه قتل صاحبهم المتشكل في الأفعى .
قصة قتل الجن لسعد بن عبادة رضي الله عنه :
قال ابن عبد البر: ولم يختلفوا أنه وجد ميتاً في مغتسله، وقد اخضر جسده ولم يشعروا بموته حتى سمعوا قائلاً يقول:
قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة *** رمينا بسم فلم يخطئ فؤداه
قال ابن جريج: سمت عطاء يقول: سمعت أن الجن قالوا في سعد بن عبادة هذين البيتين
وروى عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : " قام سعد بن عبادة يبول ثم رجع ، فقال : إني لأجد في ظهري شيئا » ، فلم يلبث أن مات ، فناحته الجن فقالوا :
قتلنا سيد الخزرج سعد بن عباده *** رميناه بسهمين فلم نخط فؤاده
ورواه أبو الشيخ الأصبهاني قال : حدثنا محمد بن زكريا القرشي ، حدثنا بكار بن عبد الله السيريني ، حدثنا ابن عون ، عن ابن سيرين ، أن سعد بن عبادة رضي الله عنه : ( أتى سباطة قوم فبال قائما فخر ميتا ؛ فقالت الجن :
نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة *** رميناه بسهمين فلم نخط فؤاده ) .
ورواه الحارث بن أبي أسامة : حدثنا أبو عاصم ، ثنا ابن عون ، عن محمد بن سيرين قال : « بينما سعد بن عبادة رضي الل ه عنه قائما يبول فمات ، قتله الجن :
قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة *** رميناه بسهمين فلم نخط فؤاده
وقال الذهبي في السير : قال الواقدي : حدثنا يحيى بن عبدالعزيز ، من ولد سعد ، عن أبيه قال : توفي سعد بحوران لسنتين ونصف من خلافة عمر. فما علم بموته بالمدينة حتى سمع غلمان قائلا من بئر يقول :
( قد ) قتلنا سيد الخــزرج سعد بن عبــادة *** ( و ) رمينـاه بسهميــن فلم نخط فــؤاده
فذعر الغلمان ، فحفظ ذلك اليوم ، فوجدوه اليوم الذي مات فيه. وإنما جلس يبول في نفق ، فمات من ساعته ، ووجدوه قد اخضر جلده
هذا و للأمانة ينبغي أن يذكر أنه كما يوجد من جزم بثبوت هذه القصة والأثار فيها , فإن هناك من قال بضعفها من أهل العلم , وهناك من قال بثبوتها بمجموع الروايات الواردة
أمر النبي بإدخال الصبيان وإغلاق الأبواب بعد الغروب :
روى البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا كان جنح الليل فكفوا صبيانكم ، فان الشياطين تنتشر حينئذ ، فإذا ذهب ساعة من الليل فخلوهم وأغلقوا الابواب واذكروا اسم الله تعالى ، وإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا ، وأوكوا قربكم واذكروا اسم الله ، وخمروا آنيتكم واذكروا اسم الله ولو أن تعرضوا عليه شيئا ، وأطفئوا مصابيحكم"
قال الإمام النووي رحمه الله في شرح مسلم : " هذا الحديث فيه جمل من أنواع الخير والأدب الجامعة لمصالح الآخرة والدنيا ، فأمر صلى الله عليه وسلم بهذه الآداب التي هي سبب للسلامة من إيذاء الشيطان ، وجعل الله عز وجل هذه الأسباب أسبابا للسلامة من إيذائه ، فلا يقدر على كشف إناء ، ولا حل سقاء ، ولا فتح باب ، ولا إيذاء صبي وغيره إذا وجدت هذه الأسباب "
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " قال ابن دقيق العيد : في الأمر بإغلاق الأبواب من المصالح الدينية والدنيوية حراسة الأنفس والأموال من أهل العبث والفساد ، ولا سيما الشياطين"
وقال ابن عبد البر رحمه الله : " وفي هذا الحديث الأمر بغلق الأبواب من البيوت في الليل ، وتلك سنة مأمور بها رفقا بالناس لشياطين الإنس والجن ، وأما قوله : ( إن الشيطان لا يفتح غلقا ، ولا يحل وكاء ) فذلك إعلام منه وإخبار عن نعم الله عز و جل على عباده من الإنس ، إذ لم يعط قوة على فتح باب ولا حل وكاء ولا كشف إناء ، وأنه قد حرم هذه الأشياء ، وإن كان قد أعطي ما هو أكثر منها من التخلل والولوج حيث لا يلج الإنس"
وقال ابن بطال في شرح البخاري : " قال المهلب: خشى النبى - عليه السلام - على الصبيان عند انتشار الجن أن تلم بهم فتصرعهم، فإن الشيطان قد أعطاه الله قوة على هذا، وقد علمنا رسول الله أن التعرض للفتن مما لا ينبغى، فإن الاحتراس منها أحزم، على أن ذلك الاحتراس لا يرد قدرا ولكن لتبلغ النفس عذرها، ولئلا يسبب له الشيطان إلى لوم نفسه فى التقصير. وأما قوله: « إن الشيطان لا يفتح غلقا » فهو إعلام من النبى أن الله لم يعطه قوة على هذا، وإن كان قد أعطاه ما هو أكثر منه، وهو الولوج حيث لا يلج الإنسان "
خطف الجن رجل في خلافة عمر رضي الله عنه :
قال ابن قدامة في المغني : " روى الأثرم والجوزجاني بإسنادهما عن عبيد بن عمير قال : ( فقد رجل في عهد عمر ، فجاءت امرأته إلى عمر ، فذكرت ذلك له ، فقال : انطلقي ، فتربصي أربع سنين ، ففعلت ثم أتته فقال : انطلقي فاعتدي أربعة أشهر وعشرا .ففعلت ثم أتته . فقال : أين ولي هذا الرجل ؟ فقال : طلقها ففعل . فقال لها عمر : انطلقي فتزوجي من شئت . فتزوجت ، ثم جاء زوجها الأول ، فقال له عمر : أين كنت ؟ قال يا أمير المؤمنين استهوتني الشياطين ، فوالله ما أدري في أي أرض الله كنت ، عند قوم يستعبدونني ، حتى اغتزاهم منهم قوم مسلمون ، فكنت فيما غنموه ، فقالوا لي : أنت رجل من الإنس وهؤلاء من الجن ، فمالك ولهم ؟ فأخبرتهم خبري . فقالوا : بأي أرض الله تحب أن تصبح ؟ قلت المدينة هي أرضي. فأصبحت وأنا أنظر إلى الحرة . فخيره عمر إن شاء امرأته وإن شاء الصداق ، فأختار الصداق ، وقال : قد حبلت لا حاجة لي فيها "
قال أحمد : يروى عن عمر من ثلاثة وجوه ، ولم يعرف في الصحابة له مخالف . وصححه الشيخ الألباني في الإرواء
الجني الذي سرق من تمر الصدقة :
روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان ، فأتاني آت ، فجعل يحثو من الطعام ، فأخذته وقلت : والله لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : إني محتاج وعلي عيال ولي حاجة شديدة ، قال : فخليت عنه ، فأصبحت فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة " . قال : قلت : يا رسول الله ، شكا حاجة شديدة ، وعيالا فرحمته فخليت سبيله ، قال : " أما إنه قد كذبك ، وسيعود " . فعرفت أنه سيعود ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنه سيعود ) . فرصدته ، فجاء يحثو من الطعام ، فأخذته فقلت : لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : دعني فإني محتاج وعلي عيال ، لا أعود ، فرحمته فخليت سبيله ، فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أباهريرة ما فعل أسيرك " . قلت : يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا ، فرحمته فخليت سبيله ، قال : " أما إنه كذبك ، وسيعود " . فرصدته الثالثة ، فجاء يحثو من الطعام ، فأخذته فقلت : لأرفعنك إلى رسول الله ، وهذا آخر ثلاث مرات تزعم لا تعود ، ثم تعود ، قال : دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها ، قلت ما هو ؟ قال : إذا أويت إلى فراشك ، فاقرأ آية الكرسي : ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) ، حتى تختم الآية ، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ، ولا يقربنك شيطان حتى تصبح ، فخليت سبيله فأصبحت ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما فعل أسيرك البارحة " . قلت : يا رسول الله ، زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله ، قال :" ما هي؟ ". قلت : قال لي : إذا أويت إلى فراشك ، فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم : { الله لا إله إلا هو الحي القيوم ** . وقال لي : لن يزال عليك من الله حافظ ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح - وكانوا أحرص شيء على الخير - فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أما إنه قد صدقك وهو كذوب ، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة " . قال : لا ، قال : " ذاك شيطان"
ومثل ذلك ما وقع لأبي بن كعب رضي الله عنه , فعن عبد الله ابن أبي ابن كعب أن أباه أخبره : أنه كان له جرن فيه تمر فكان يتعاهده فوجده ينقص فحرسه ذات ليلة فإذا هو بدابة شبه الغلام المحتلم قال فسلمت فرد علي السلام قال فقلت أنت جني أم أنسي ؟ قال جني ، قال قلت ناولني يدك ؟ قال فناولني فإذا يده يد كلب وشعر كلب ، فقلت هكذا خلق الجن ؟ قال لقد علمت الجن ما فيهم أشد مني ، قلت فما حملك على ما صنعت ؟ قال بلغني أنك رجل تحب الصدقة فأحببنا أن نصيب من طعامك ، قال فقال له أبي فما الذي يجيرنا منكم ؟ قال : هذه الآية آية الكرسي ثم غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال النبي صلى الله عليه وسلم : صدق الخبيث"
رواه الحاكم وصححه وابن حبان والنسائي كبرى وصححه الألباني في صحيح الترغيب
وفي الحديثين دلالة صريحة أن الجني قد يسرق الإنسي , وهذا لا شك أنه أذى وتسلط حسي وليس معنويا , ومثل ذلك ما وقع في قصة أبي ايوب رضي الله عنه , كما أن هناك أثارا عدة وردة عن صراع الصحابة مع الجن كعمر بن الخطاب وعمار بن ياسر وغيرهم منها ما يثبت ومنها لا يثبت , ويطول نقلها
بعض الآثار والقصص عن السلف :
قصة الدار التي تقتل الجن من يسكنها :
قال ابن عقيل في كتابه الفنون : " كان عندنا بالظفر يعني من بغداد دار كلما سكنها ناس أصبحوا موتى فجاءهم مرة رجل مقرئ أي حافظ للقرآن فاكتراها فارتقينا لأصبح سالما فتعجب الجيران وسألوه فقال: لما بت بها صليت العشاء وقرأت شيئا من القرآن وإذا شاب صعد من البئر فسلم علي فهبت فقال: لا بأس عليك علمني شيئا من القرآن... وقال نحن جن مسلمون نقرأ ونصلي وهذه لا يكتريها إلا الفساق فيجتمعون على الخمر فنخنقهم " فقتلوهم بسبب أذيتهم لهم "
قصة ابنة عوف بن عفراء التي أراد الجني إيذاءها :
روى ابن أبي الدنيا بسنده عن أنس بن مالك قال : كانت ابنة عوف بن عفراء مستلقية على فراشها فما شعرت إلا بزنجي قد وثب على صدرها ووضع يده في حلقها فإذا صحيفة صفراء تهوي بين السماء والأرض حتى وقعت على صدري فأخذها فقرأها فإذا فيها : من رب لكين إلى لكين : اجتنب ابنة العبد الصالح فإنه لا سبيل لك عليها فقام وأرسل بيده من حلقي وضرب بيده على ركبتي فتورمت حتى صارت مثل رأس الشاة ، قالت : فأتيت عائشة رضي الله عنها فذكرت ذلك لها فقالت : يا ابنة أخي إذا خفت فاجمعي عليك ثيابك فإنه لن يضرك إن شاء الله قال : فحفظها الله بأبيها فإنه كان قتل يوم بدر شهيدا . رواه في مكائد الشيطان وقال : محمد بن قدامة حدثنا عمر بن يونس اليمامي الحنفي قال : حدثنا عكرمة بن عمار حدثني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة قال : حدثني أنس به , قال وهذا إسناد صحيح رواته ثقات.
ما كانت تفعله الجن بالعرب عند أسفارهم :
قال الحافظ ابن حجر عن قوله صلى الله عليه وسلم " لا عدوى ولا طيرة ولا نوء ولا صفر ولا نوء ولا غول " : "وأما الغول فقال الجمهور: كانت العرب تزعم أن الغيلان فى الفلوات، وهى جنس من الشياطين تتراءى للناس وتتغول لهم تغولا أى تتلون تلونا فتضلهم عن الطريق فتهلكهم، وقد كثر فى كلامهم"غالته الغول"أى أهلكته أو أضلته، فأبطل صلى الله عليه وسلم ذلك. وقيل: ليس المراد إبطال وجود الغيلان، وإنما معناه إبطال ما كانت العرب تزعمه من تلون الغول بالصور المختلفة، قالوا: والمعنى لا يستطيع الغول أن يضل أحدا. ويؤيده حديث"إذا تغولت الغيلان فنادوا بالأذان"أى ادفعوا شرها بذكر الله "
وقال ابن الأثير في غريب الحديث : " الغول أحد الغيلان ، وهي جنس من الجن والشياطين ، كانت العرب تزعم أن الغول في الفلاة تتراءى للناس فتتغول تغولا : أي تتلون تلونا في صور شتى ، وتغولهم أي تضلهم عن الطريق وتهلكهم ، فنفاه النبي صلى الله عليه وسلم وأبطله "
وقال المازري : " ومنهم – يعني الجن – الغيلان والسعالى ، وطبعهم الفساد في الأرض ، يخوفون النساء والصبيان ، ويطعنون في خواصرهم وأصلابهم ، وينجسون المياه ، ويفسدون الأطعمة بأنواع المفاسد ، ويتأذى منه من شرب منه أو أكل بقضاء الله تعالى وقدره " / حاشية الرهوني على شرح الزرقاني
ونقل الجاحظ في كتابه " الحيوان " عن بعض المفسرين في الآية : " وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا" : " أن جماعة من العرب كانوا إذا صاروا في تيه من الأرض ، وتوسطوا بلاد الوحوش ، خافوا عبث الجنان والسّعالي والغيلان والشياطين ، فيقول أحدهم ، فيرفع صوته : إنّا عائذون بسيّد هذا الوادي !! فلا يؤذيهم أحد ، وتصير لهم خفارة"فالمراد أن هذا الأذى والتسلط كان مشهورا عند العرب والنقول عن غير من ذكرت كثيرة جدا
ذكر شيخ الإسلام ما تفعله الجن من خطف في زمانه :
قال شيخ الإسلام – رحمه الله في الجزء الثاني من مجموعة الرسائل الكبرى : " والجن تخطف كثيراً من الإنس وتغيبه عن أبصار الناس وتطير به في الهواء ، وقد باشرنا من هذه الأمور ما يطول وصفه ".
وقال في الجزء الحادي عشر من مجموع الفتاوى : " وإن لم يكن تام العلم بالشريعة فاستعان بهم فيما يظن أنه من الكرامات مثل أن يستعين بهم على الحج ، أو أن يطيروا به عند السماع البدعي ، أو أن يحملوه إلى عرفات ، ولا يحج الحج الشرعي الذي أمره الله به ورسوله ، وأن يحملوه من مدينة إلى مدينة ، ونحو ذلك فهذا مغرور قد مكروا به ".
وهذه القصص المذكورة آخر الكلام إنما سقتها على سبيل الإستئناس لا الإستشهاد والدلالة , إذ يكفي في ذلك ما ثبت في صحيح السنة وصريحها , نسأل الله أن يعيذنا من الشياطين من همزهم ونفخهم ونفثهم , وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم