طفل وسكين
صباح الاثنين الفائت.. في ظل سور خارجي لمدرسة خاصة، صادفت عراكاً بين طلاب يافعين لحاهم لمّا تنبت بعد، أكبرهم في حدود الـ14 من عمره.. أحدهم تجاسر أمام الملأ شاهراً (سكيناً)، وراح يعدو خلف طالب آخر.. ففرَّ هلعاً ورعباً.
المشهد كان مؤلماً.. لكنّ الأمر - ولله الحمد - انتهى عند هذا الحد ولم يتحول إلى كارثة،
حيث كان فرار الطالب المسكين من حدِّ السكين منقذاً له من مواجهة مباشرة.. الله وحده يعرف منتهاها..
خِلت نفسي أشاهد فيلماً سينمائياً.. لا مشهداً واقعياً يحدث بين طلبة صغار.. لم ينبت الزغب على أكتافهم بعد..
والمدرسة طبعاً لا تتحمل وزر ما اقترفه طالب مسلح بسكين، لأنّها ليست مسئولة عن طالب خارج أسوارها، لكنْ: كيف يخرج يافع من بيته وهو مسلح؟ ولماذا يحمل سلاحاً من يذهب إلى المدرسة؟
المشهد كان جارحاً على حد السكين نفسها.. فمن المسئول عن هذا الفتى الذي كاد توتره وعصبيته ينهيان حياة إنسان صغير في مثل سنه، ويدمر أسرتيهما معاً؟
عجبت من هذا المشهد الذي مرّ كشريط سريع، انطبع في الذاكرة لا كبطاقة وردية.. بل كجرح دام.. أنْ نرى ابناً من أبنائنا يحمل سلاحاً ولو كان مجرد سلاح أبيض وهو في هذه السن، بدلاً من يحمل كتاباً وقلماً، فلا يتورع عن ترهيب أخيه الطالب.. فهذه فاجعة. ومهما كانت الأسباب لا يمكن بأي حال أن نبرّر رد فعل هذا الفتى، ولا يمكن أن نجد تفسيراً غير إهمال متعدد الطرف..
وعلل هذه الحادثة تستوجب التشدد في مراقبة الأبناء، وملاحظاتهم باستمرار، وعدم إهمال متابعتهم بحجة أنهم أصبحوا كباراً راشدين.. ورغم أنّها حالة شاذة ليست - بفضل الله - منتشرة في مجتمعنا، فإنّ الحرص مطلوب.. وهي دعوة، لا لخنق حرية الأبناء، بل لزيادة تشدد من تهاون أو اتكل على غيره في التربية..
وإذا كان الموقف يستدعي فتح عيون الأمهات والآباء جيداً؛ فإنّه يستدعي أيضاً من الجهات المعنية تركيزاً بالغاً على قضية العنف بين الصغار، وإيلاءها عناية أكبر.. ودرس أسبابها ومسبباتها.. لأنّ المسألة ليست مجرد مسألة فردية وحالة خاصة وشاذة، بل هي مسألة تخص المجتمع ككل لا أمّ الطفل نفسه فقط.. تلك الأم الضعيفة النحيلة التي اهتز كيانها وارتج جسدها والتهب فؤادها وتسمّرت في أرضها فلا تعرف ما تفعل، وهي تشهد فلذة كبدها يفر هرباً من السكين.. والسكين تلحق به مثل أنياب الثعبان.